الأربعاء، 14 يونيو 2017

تذكر .. أنت كويتي

تذكر .. أنت كويتي


يفخر المجتمع الكويتي بدواوينه التي لا مثيل لها في أي مكان حول العالم، قاعة مفتوحة يدخلها من يشاء دون حاجة لدعوة أو للتعريف بنفسه، قد يكتفي بالاستماع وهو يحتسي الشاي أو القهوة أو ربما يطلق العنان لتحليلاته السياسية ونظرياته الاستراتيجية دون مقاطعة أو حتى سؤال عن مؤهله العلمي،  فالكبير يتحدث والصغير يعارضه والبروفيسور يحلل والأمي يعقب عليه، لا يتجرأ أحد على إسكات غيره أو تأنيبه بسبب مداخلة قام بها أو رأي مغاير أدلى به.
جُبل شعب الكويت على أجواء الحرية، ونشأ الكويتيون على عدم الخوف من الرقيب، وكلما أتت ظروف التقييد أو محاولات تشديد الرقابة احتج الناس في الدواوين وارتفعت أصواتهم عن ذي قبل، بل وتحول المسؤول الآمر بالتضييق لمادة دسمة تتداولها أحاديث الكويتيين بشكل علني.
اليوم وفي ظل محاولات محاصرة قطر يبرز الكويتي بجرأته المعهودة في وسائل الاتصال الاجتماعي منتقداً من يشاء ومدافعاً عمن يريد، يسعى كل طرف لجرّه ناحيته فلا يقبل إلا أن يتبع طبيعته (الحُرة) التي لا تستسيغ التسيير والتوجيه، يزعل من يزعل ويرضى من يرضى، هذا لسان حاله.
الكويتي تربى على التعددية وقبول الآخر، يختلف السني والشيعي لكن الأول لا يقمع الثاني بحجة أن بعض الشيعة تورطوا في تفجيرات الثمانينات، لا توجد عائلة كويتية إلا وفيها أكثر من فكر، الوالد قومي وابنته من الإخوان فيما عمهم ينتمي لجماعة التبليغ وله ولد ليبرالي، لا يسعى الكويتي (الأصلي) لإبادة الآخر أو زجه في معتقل كما يحدث في دول الجوار، لايختلف الوضع على المستوى الرسمي فحكومات الكويت تقوم على التعددية حيث يُوَزر البدوي والتاجر والسلفي والعيمي والشيخ ابن الأسرة الحاكمة جنباً إلى جنب بل حتى القريب من حزب الله له فرصة لبس بشت الوزير، ولهذا استقر الحكم في الكويت واستتب أمنها وتكاد تخلو سجونها من المعارضين السياسيين، فالمظاهرات والاعتصامات في الدول الديمقراطية مظهر طبيعي يمر غالباً بسلام ويغطيه ضباب مسيلات الدموع أحياناً، لكنه في كل الأحوال لا يشهد رصاصاً حياً ولا يعقبه إختفاءٌ قسري، فلا يوجد كويتي .. راح وراء الشمس!
الدكتور الإماراتي عبدالخالق عبدالله والصحفي السعودي صالح الفهيد قاما قبل أيام بسحب استفتائين في (تويتر) حول الأزمة الخليجية وتقييم تناول الاعلام للأزمة، التراجع كما هو واضح سببه تعليمات (من فوق) بعد أن اتجهت النتيجة  لصالح القطريين! وفِي هذا الموقف لا نهدف بتاتاً للشماتة لكننا ندلل على الفارق الكبير في مساحة الحرية التي يمتاز بها المجتمع الكويتي وغيره من مجتمعات محيطة،  هذا الاستدلال نقول من خلاله  لكل كويتي من السياسيين والاعلاميين والمغردين والعامة: تذكر .. أنت كويتي، فلا تكن إمعة تستورد خطابات الإقصاء، لا تتبنى مصطلحات أجهزة القمع هناك فأنت كويتي، لا تتحول إلى رسول فُرقة في مجتمع أساسه (الاختلاف في الأفكار والاتفاق على الدستور) الحامي للكرامة والحريّة وحقوق الإنسان .. فأنت كويتي.

عبدالله الأعمش

السبت، 10 يونيو 2017

أسطورة الوحدة الخليجية

أسطورة الوحدة الخليجية

قبل أكثر من ثلاثة عقود اتفقت ست دول تتحدث بلغة واحدة وتدين بنفس المعتقد ولا يحوي تاريخها صفحات دموية أو حروب بين أي منها على تأسيس شبه إتحاد أُطلِق عليه إسم مجلس التعاون لدول الخليج العربية، هذه الدول ورغم رغم مرور الزمن وتشابه اللغة والدين وترابط شعوبها وجهوزية الرؤى الاقتصادية والأمنية والاجتماعية المشتركة لم تنجز ما يستحق الذكر في طريق تكاملها وليست لديها اليوم أي انجازات (معتبرة) تصب في صالح شعوبها فهي مازالت تتعامل بعملات نقدية ست، وتفصلها مراكز حدودية متخلفة، وفي أدراج مسؤوليها مقترحات السكة الحديدية والجيش الواحد وغيرها من أحلام.
يتساءل المواطن الخليجي عن مكمن الخلل ولماذا يسمع من المسؤولين رغبة في الإنجاز ووعداً بتحقق المشاريع ولكنه لا يرى أثراً له على أرض الواقع.
منذ سقوط الامبراطورية الرومانية والأوروبيون يسعون للاتحاد، تارة ضم القوي منهم الضعيف جبراً، وتارة أخرى اتفقت دول أوروبية على الوحدة طواعية، اليوم يتشكل الاتحاد الاوروبي من ٢٧ دولة بعد انسحاب الإنجليز وربما يزداد عدد أعضاء الاتحاد مستقبلاً حيث أن دولاً مرشحة لدخوله تسعى جاهدة للانضمام لهذه المنظمة العملاقة.
العجيب أن هذه القارة العجوز التي تساهم اليوم في تطوير العالم تكنلوجياً وطبياً وبيئياً وثقافياً تتألف من أعراق متعددة ومذاهب مختلفة و٢٤ لغة رسمية وتاريخ مليء بالحروب الدموية! لكن سر الوحدة وسبب النجاح هناك يلخصه مشهد تسلم الاتحاد لجائزة نوبل للسلام التي مُنحت للاتحاد الأوروبي في 12 أكتوبر 2012 لمساهمته في تعزيز السلام والمصالحة والديمقراطية وحقوق الإنسان في أوروبا.
لن يتوحد الخليجيون اذا استمروا في خداع أنفسهم بأسطورة الاتحاد الخليجي ولن ينجو مجلسهم الهرم إلا بإكسير الحياة الحقيقي المتمثل في تبني روح النموذج الأوروبي الذي منح الأوروبيين وبجدارة جائزة نوبل للسلام، لابد أن يجتمع عرب الخليج على احترام تعدد الآراء وعدم إقصاء المخالفين، يجب عليهم أن يشدوا رحالهم على طريق الديمقراطية التي باستطاعتهم أن يشذبوها بحيث لا تتعارض مع الإسلام، ولا خيار أمامهم في مسألة احترام حقوق الإنسان وترسيخ أخلاقيات العدالة والمساواة وإلغاء الطبقية والتوقف عن دعم الحكومات القمعية وتبديد ثروات الخليجيين عليها.
لقد بات حتمياً على دول مجلس التعاون الخليجي المحتضر أن تؤمن بجوهر تلك المبادىء وليس الاكتفاء باستيراد مساحيق تجميل فاسدة جعلت من وجه بعض الدول مسخاً يكرم الغريب السائح في أرضه ويحبس ابن جلدته في غياهب السجون، وصارت مدنها معالم معمارية تنتصب فوقها ناطحات السحاب الشاهقة فيما تُدفن في دركها الأسفل أفكار المعارضين ومقترحات المراقبين ومطالبات النشطاء وشكاوى .. البشر.

عبدالله الأعمش