الثلاثاء، 26 يوليو 2011

نشر غسيل تيار أسيل

أتحفتنا (النائبة) أسيل بتصريح صحفي احتوى العديد من المغالطات وقلب الحقائق كمؤشر آخر لتخبط تيارها الليبرالي الذي يعاني من انسلاخ فكري رهيب أدى لاستياء كبير بين أعضاء ومؤيدي هذا التيار وتزامن مع انتقادات واسعة من الخصوم ، فهم كانوا ولعقود خَلَت يتشدقون بالوطنية مرةً والحفاظ على المال العام مرة أخرى ، لكنهم اليوم لم يكتفوا بعقد الصفقات السرية مع الحكومة المتخبطة بل إنهم عندما فاحت رائحة ذلك الاتفاق جاهروا بالتصريح عن رغبات إضافية ومطالب أخرى يُقال أن الحكومة رفضت ضمها للصفقة –مؤقتاً- خوفاً من غليان الشارع .. المحافظ .



كلمات أمين عام التحالف الوطني وما بعده من مقالات الكوادر وآراء الرموز الليبرالية وآخرها تصريح (النائبة) أسيل إن لم تُفسر بأنها مطالبة بتوسيع الصفقة فهي بدون شك محاولة فاشلة للتغطية عليها ولتشتيت رد فعل الشارع المحتج على الثمن الباهظ الذي قدمته الحكومة لليبراليين والتجار مقابل مساندتهم لرئيسها .. أبي اللغات .



(النائبة) أسيل تناقضت وبشكل غريب في تصريحها الأخير ، فتباكت مرةً على الطلبة الغير مقبولين في الجامعة مطالبة بإيجاد حل لمشكلتهم ثم انتقدت الوزير بسبب قرار رفعه لأعداد المقبولين الذين تقول النائبة أنه ليس للجامعة قدرة استيعابية تحتويهم !


هذه (النائبة) أتت بما لم تأتي به الأوائلُ حين زعمت أن طبيعة المجتمع الكويتي وتعامل الشباب مع البنات لا تستقيم مع فصل الجنسين أثناء الدراسة ! ونسيت بل تناست العضوة السابقة في الوسط الديمقراطي أن القوائم الإسلامية والمحافظة تحوز على معظم أصوات طلبة وطالبات الجامعة في انتخابات اتحادهم الذي يقوده المدافعون عن العادات الأصيلة منذ ما يزيد عن ثلاث عقود فيما تحنطت القائمة الليبرالية في قاع ترتيب النتائج ! وهذا الواقع يعبر عن نبض الجيل الشبابي الذي يسلك الاتجاه الآخر الذي تسير (النائبة) وجماعتها بشكل معاكس له .


تدّعي هذه (النائبة) أن فصل الاختلاط يكلف الدولة مبالغ طائلة ، وكأن تيارها لم يرضخ لرئيس حكومة متخمة بالفساد والتبذير وسرقات المال العام ! ثم لماذا التقتير على أجيال المستقبل والإصرار على حشرهم في جامعة واحدة مختلطة فيما نبني لغيرنا الجامعات ونصرف الملايين على حكومات قمعية طائفية ؟!


الخطأ الآخر ولا نظنه الأخير في تصريح (النائبة) الليبرالية يتمثل في قولها أن السلطتين في الكويت تخضعان للهيمنة الدينية ! وطبعاً هي تقصد الدين الإسلامي ، لكنها تجاهلت حقيقة أن السلطة التشريعية يختارها الشعب بطريقة ديمقراطية مما يعني تفضيل الكويتيين للممثلين المحافظين الأقرب لعاداتهم الأصيلة ، أما السلطة التنفيذية فلا يُنكر أحد -سوى النائبة- بأنها بين يدَي الليبراليين وتكتل التجار ولا أثر يُذكر لتأثير الإسلاميين عليها بتاتاً .. إلا إذا كانت تقصد علماء السلاطين المنتقدين للثورات الحرة والذين يُقصون الخطباء المستنكرين لجرائم البعث في سوريا !



قال ابن القيم رحمه الله في الصواعق : (أهل الكلام والفلسفة أشد اختلافاً وتنازعاً بينهم فيها من جميع أرباب العلوم على الإطلاق ، ولهذا كلما كان الرجل منهم أفضل كان إقراره بالجهل والحيرة على نفسه أعظم) .. ومنّا إلى جهابذة (الفلسفة) !






عبدالله الأعمش

الاثنين، 25 يوليو 2011

حوارٌ مع .. اختلاطي !


تكاد شرارة معركة الاختلاط في الكويت أن تتم يوبيلها الذهبي، فقد اشتعلت في ستينيات القرن الماضي ومازال دخانها يتصاعد بين فينة وأخرى رغم انتصار معارضي الاختلاط بعد عقود من التطاحن السياسي والنقابي والفكري بين تيارين يرفع أحدهما راية الدين فيما يرفع الآخر راية الحرية.

خلال العقود الأولى من تأسيس الجامعة كان الناس يتابعون (رموزاً) تتحاور حول هذه القضية كالوزير الأسبق السيد يوسف الرفاعي والدكتور أحمد الخطيب التي تُعَد مناظرتهما مثالاً لعدة صولات وجولات خاضها الفريقان المتنافران فكرياً ، لكنني اليوم كمعارض للاختلاط أجد أن الخصم صار مختلفاً ، فهو أقرب للسذاجة وطريقة نقاشه ضحلة ونوع شبهاته التي يطرحها سطحية وردوده فارغة فأصبح لا يستحق عناء الرد عليه ولا يرقى لمستوى الحوار الجدّي والمُجدي ، فاضطررت لخوضه بطريقة أكثر بساطة لضمان استيعاب عقول الخصوم له ، مع علمي بأن طرحهم لهذه المسألة (المنتهية) في هذا الوقت يهدف لذر الرماد في أعين الجماهير وتشتيت انتباه الشارع عن فضيحة الصفقات المتوالية والعقود المتتالية التي أبرمتها الحكومة مع التيار الليبرالي التغريبي!

قال لي أحد الاختلاطيين : إن فصل الجنسين يتسبب بإرباكٍ في جداول المواد الدراسية وإغلاقٍ للشعب وغيرها من سلبيات فنّية.

قلت له : أكد المسؤولون في الجامعة وإتحاد الطلبة أن سبب المشكلة ليس فصل الجنسين بل هو في المنشآت والكوادر التدريسية، وأن تحقيق الحل الكامل يتم عن طريق إنشاء كليات جديدة وتوسيع المباني الحالية بعدة ملايين كالتي قدمتها حكومتنا للنظام البعثي في سوريا أو التي بنت بها جامعة للأشقاء اليمنيين، فليس الحل في حشر الطلبة والطالبات بفصول مختلطة بحجة عدم توفر قاعات دراسية!

قال : الاختلاط ليس حراماً!

قلت : بل حرّمه كبار العلماء وحذَّر منه آخرون وأما من أباحه أوجَبَ الضوابط الشرعية مثل الحشمة التي لم تتحقق في الجامعة ، ثم إن القاعدة الشرعية تقول أن ما أدى للحرام فهو حرام كالاختلاط المؤدي للخلوة وإطلاق البصر وغيرها من مفاسد حرمها الشرع الحنيف.

قال : حتى في الطواف اختلاط!

قلت : وهل اللباس في المكانين واحد؟ أم أنك لا تُفرق بين المعتمرة المتسترة المحجبة المتجنبة للمساحيق والألوان المبهرة وتلك الطالبة المتبرجة السافرة اللابسة للقصير مرةً والضيق مرة أخرى ؟! وهل نقارن بين الأجواء الروحانية والخشوع والوقار وقراءة القرآن في الحرم بأجواءٍ دنيوية تتنافس بها الأزياء والموضة ويعم فيها المزاح والغنج في بعض الكليات ؟!

قال : الاختلاط في كل مكان خارج الجامعة !

قلت : أليست للنساء منتزهات خاصة ؟ وللعائلات أيامٌ دون الشباب في الحدائق ؟ وللإناث مكاتب وغرف منفصلة في أغلب وزارات الدولة ؟ ثم إن احترام الجامعة للعادات والتقاليد لا يجب أن يتأثر بإهمال المؤسسات الأخرى لها ، فمستويات احترام الدين متفاوتة .

قال : الحرية في الاختلاط !

قلت : بل الحرية في الفصل بين الجنسين ، فحينها لن تُحاصَر غالبية الطالبات المحافظات بطلبة ذكور ، كما لن يتعرض الطلبة الملتزمون بالأصالة لحرجٍ تسببه بيئة مليئة بالزميلات ، فأين الحرية في إجبار الناس على اختلاطٍ لم تربيهم عليه أسرهم المحافظة ؟ فليذهب من أراده -غير مأسوفٍ عليه- إلى جامعات غربية أو أخرى شرقية.

قال : أين الديمقراطية؟

قلت : هي في الفصل، فقد تم إقرار قانون منع الاختلاط بشكل ديمقراطي من خلال البرلمان ، كما صوت آلاف الطلبة والطالبات في انتخابات اتحادهم بالجامعة للقائمة التي تعارض الاختلاط ، فيما لم تؤيد الخلط بين الجنسين سوى قائمة طلابية واحدة نتائجها الانتخابية متردية !

قال : في السعودية جامعة مختلطة !

قلت : هنا الكويت ! وعندهم تُمنع المرأة من قيادة السيارة ومجلسهم مُعيّن غير منتخب ولباس طالباتهن ليس كلباس طالباتنا، فمقارنتك وُلدت ميتة.

قال : في الدول المتقدمة اختلاط!

قلت : وفي مطاعمهم خمور، وفي صيدلياتهم مخدرات، وفي فنادقهم دعارة! ثم إن العديد من مدارس بريطانيا وأمريكا وأستراليا عادت لنظام فصل الجنسين بعد دراسات عديدة أكدت المنافع التربوية للفصل والعيوب النفسية للاختلاط .

قال : ألا تثقون بهن ؟

قلت : ألا تغار عليهن ؟

فتَمعّر وجهه .. و انصرف !

فتذكرت قول الإمام علي كرّم الله وجهه : {بلَغَني أن نساءكم يخالطن العلوج في الأسواق ! أما تستحيون أو تغارون ؟ إنه لا خير في من لا يغار}.


عبدالله الأعمش


الثلاثاء، 19 يوليو 2011

المقامة الدسمانية : الفداوية !






للإستماع للمقال :


http://www.4shared.com/audio/FIyblFJO/_online.html




حدّثنا عدنان ابن أُثيلة قال : فيما كنا نصيد السمّان بمنطقةٍ يقال لها دسمان ، سألت الشيخ الأزرق ابن كُليب عن (البصّامة) .


فقال : هي فرقة عند السلاطين نمّامة

وللمعروف ذمّامة

ولأهله شتّامة

وليس فيهم استقامة !

ثم أنشد :


إن يسمعوا ريبةً طاروا بها فرحاً ** مني وما سمعوا من صالحٍ دفنوا


صُمٌ إذا سمعوا خيراً ذُكرت به ** وإن ذُكرت بسوءٍ عندهم أذنوا


إن لكل مَلكٍ حاشية يقودها كالماشية

ولكل ثري خدم وحفنة من الحشم

ولكل رئيس مرافقون متزلفون منافقون

يخلطون الحابل بالنابل

ويعكسون الخير والشر

ويسري فيهم السم مجرى الدم !


بعضهم يذم الصالح ويُزين الطالح

فهو للرذيلة مدّاح وللفضيلة قدّاح !


تجده حول الولاة مع الردّاحين وبحمدهم من الصدّاحين

فقد اعتادوا المجاملة بالمعاملة

لهذا يعتبرون من ينصحْ (مؤزم) ينبحْ !

ويسمّون الصراحة مع الرئيس وقاحة !


قال الرسول الكريم عليه الصلاة والتسليم : {الدين النصيحة ، قلنا لمن ، قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامّتهم}


قلت : وما نشأتهم ؟

قال : فيما مضى ، كانوا بالسرادق يمتشقون البنادق

ثم صاروا للشيوخ مطاريش وللوزراء فراريش

اليوم هم من الأغنياء والأثرياء والوزراء والسفراء بل حتى النساء انضوين تحت اللواء !


قلت : من أي قومٍ هم ؟

قال : بعضهم كُتل وآخرون مِلل

فمُشِرّعهم تاجرٌ من الشامية ومفتيهم من الجاميّة وصحيفتهم يملكها الحرامية !

يُساندهم فارسي من الزهراء وبدوي من الجهراء وليبراليٌ من الفيحاء !


قلت : وما يجنون ؟

قال : للغرفة مناصب وللطائفة مكاسب

للتاجر مناقصة ولليبرالي حفلة راقصة

هَمُّهم الكراسي وللشعب المآسي !

وتمتد المنفعة للأصدقاء والأهل والأشقاء

فأحدهم للمعاقين مسؤول والآخر عضوٌ في البترول

والثالث بالسرّة مختار ولإحداهن أكبر دار !


فقلت : والله ما أظنّها فرقة ناجية ولا لريح الجنة راجية !

لكن رحمة ربكَ شاسعة وأبواب التوبة واسعة .


فقرأ الشيخ حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : {ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا له بطانتان ، بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه ، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه ، فالمعصوم من عصم الله تعالى} .



عبدالله الأعمش


الأحد، 17 يوليو 2011

الرئيس وميناء مبارك





منذ عقود وجار السوء الشمالي يثير القلاقل ويشعل البلابل بين الحين والآخر مؤكداً أن الأطماع مترسخة في نفوس القيادات هناك مهما تبدلت أثوابها البعثية والشيعية وغيرها !

ومنذ تلك الفترة والكويت تحاول تأكيد سيادتها على تلك الحدود الشمالية الجرداء من خلال عدة مشاريع مقترحة لم تُنفذ لأسباب متعددة أبرزها سياسية ، فقد طُرح من قبل موضوع بناء مناطق سكنية ولو كانت للوافدين ثم اقترح الأمريكان (قبل الغزو) تأجير جزء من جزيرة بوبيان مقابل قاعدة عسكرية لهم فتلكأنا حتى انعكست الصورة وصرنا ندفع لهم مقابل المرابطة في بعض مناطقنا الشمالية !

اليوم وبعد أن تم انجاز قرابة 14% من ميناء مبارك ارتفع نعيق بعض المسؤولين العراقيين احتجاجاً على مشروع كويتي في أرض كويتية بحجج واهية لا تأخذ بها أي قوانين دولية أو حقوق جوار .

في رأيي أن الحوار مع هؤلاء غير مجدي ، فقد عقدت حكومتنا ممثلة بوزارة الخارجية عدة اجتماعات سياسية وفنية معهم بشأن مجموعة من القضايا محل الخلاف بين البلدين ولكن نتيجتها كانت إعلان المالكي البراءة منها ومن وزرائه ومستشاريه الذين شاركوا بها !

لكن المواجهة في وجهة نظري تتحقق من خلال جبهتين داخلية وخارجية ، فداخلياً يجب عدم تعطيل المشروع مع الاستمرار بعمليات إنشائه بل ومضاعفة الجهد وتسريع العمل به، إضافة لذلك يتوجب علينا خلق جبهة شعبية يقودها أعضاء مجلس الأمة وبعض المؤسسات والاتحادات من أجل مساندة هذا المشروع الوطني وغيره من المشاريع المستقبلية التي قد تُواجه إشكالاً من النوع الذي يواجهه مشروع ميناء مبارك .

أما خارجياً فلابد أن يحشد دبلوماسيو الكويت وعلى رأسهم وزير الخارجية الدعم لهذا المشروع من باب أن المسألة لا يجب أصلاً أن تُطرح على أي طاولة نقاش كونها سيادية بحتة وليس من حق العراقيين معارضتها أو حتى التعليق عليها ، فالتعريف بالفكرة العملاقة في كافة أرجاء العالم يعطيها شرعية أكثر ويجعلها مفروضة على أرض الواقع أمام أعين المسؤولين العراقيين .

إنما السؤال المهم هو من أعطى الحكومة العراقية ونوابها الحق في التدخل بشؤوننا الداخلية ؟ أو بالأصح ما الذي شجعهم على تجاوز الخطوط الحمراء لأكثر من مرة ؟ كموقفهم من الفكرة (النووية) ورد فعلهم الحالي تجاه ميناء مبارك .

في رأيي أن المالكي لم يتجرأ بإبداء وجهة نظره بهذه الصراحة إلا عندما توقع أن نظيره الكويتي لن تكون له كلمة في الموضوع ، فرغم أن الشأن كويتي قبل أن يكون عراقي وأن الذي علق عليه وزير خارجيتنا وليس رئيس حكومتنا إلا أن الرد أتى من سلطة عراقية أعلى ممثلة برئيس مجلس الوزراء المسنود من إيران !

نثق بإخلاص الشيخ محمد الصباح في عمله لكنه لن يستطيع وحده مواجهة الغوغائيين في العراق ، فكما رد الأعضاء -الأحرار- في البرلمان الكويتي على هرطقات نظرائهم العراقيين يجب أن يكون هناك رد (ولو غير مباشر) من قبل رئيس الوزراء الكويتي دعماً لمشروع ميناء مبارك ، وأقترح أن نجنب الرئيس إحراج إلقاء تصريح بهذا الشأن رغم إتقانه للفارسية التي يتقنها المالكي وأن يكتفي سموه بزيارة المشروع مع جيشه الإعلامي العرمرم ، وأن يصافح بعض المهندسين هناك .. معتمراً خوذة أحدهم .



عبدالله الأعمش

الخميس، 7 يوليو 2011

المقامة البنغالية : الشيخة البنغالية






للإستماع لمقال :
http://www.4shared.com/audio/hvpC3sKJ/__online.html




حدَّثَنا عدنان ابن أُثيلة قال : ذات عامٍ أصاب البلاد والعباد قحطٌ اضطرنا للترحالْ ، فركب بعضنا الأباعِر والجمالْ ، وآخرون على الخيول والبغالْ ، حتى وصلنا لبلادٍ يقال لها البنغالْ ، فوجدناها مَكْسوّةً بالأدغالْ مُخضَرَّةَ التِلالْ لا يَحكمها جنس الرجالْ ، فمرةً تكون الشيخةُ حسينة قائدة ، ومرة أخرى تحكمهم خالِدَة ، فلا تحتكرها منهنّ واحدة فتكونَ لتداول السلطة وائِدة ، فيا ليت قومي يفقهون الفائدة !

فقال الشيخ الأزرق ابن كُليب : مالي تذكرت العجاف السبع ؟ اللاتي جف فيهن النبع ، وجاع فيهن السبع ، وشبع فيهن الضبع !

تموت الأُسْدُ في الغابات جوعاً ** ولحم الضأن تأكلهُ الكِلابُ

وذو جهل قد ينام على حريرٍ ** و ذو علمٍ مفارشه الترابُ

ويوم وَلَجنا عاصمتهم دَكّا ، علمنا أن الشيخةَ أصدرَت صَكّا ، كي تقطع باليقين الشَكَّ ، فألزمت النوّاب والوزراءْ ، والمسؤولين والسفراءْ ، وأهليهم والأقرباءْ ، بكشف مايملكون من أموالٍ وثروات ، وذهبٍ ومجوهرات ، وأرصدةٍ وحسابات ، وقصورٍ وعقارات ، حتى يتبين الأمين من السارق ، ويتضح المخلص من المارق ، ويتكشّف الحد الفارق بين من هو بالفساد غارق ومن هو في سماء الخير طارق .

فقال الشيخ الأزرق ابن كُليب : رغم أن ولاية الشيخة حرام ، وفي توليها الحُكم كلام ، إلا أن خطوتها هذه صائبة ، ولا تشوبها شائبة ، وعساها أن تمنع الوزير والنائبة ، من سلب الأموال السائبة ، في ظل القوانين الذائبة ، والسلطة الغائبة !

وبعد صيفٍ طويل وحين شرعنا بالرحيل ، تقدم لنا رجلٌ رث الثياب نحيل ، ذو لحية مع الرياح تميل ، فسَلَّم علينا وقرأ بصوت جميل حديث رسولنا الكريم عليه الصلاة والتسليم: {إنما أهلك الذين قبلكم ، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد} فنحن بنو البنغال رغم ضنك الحال وشُح المال سبقناكم في هذا المجال ، فبدأنا بالأغنياء قبل الفقراء ، والأثرياء قبل الضعفاء ، فيما لا يُغدِق واليكم على الناس البركات ، لكنه يدفع للحاشية والمتزلِّفين .. بالشيكات !


عبدالله الأعمش

الأحد، 3 يوليو 2011

المَقامَةُ المَدْرَسِيَّة




للإستماع للمقال



http://www.2shared.com/audio/xwJuSiXk/__online.html




حَدّثَنا عَدنانُ بن أُثَيْلَة قال : كنت أتجول ذات يومٍ مع شيخنا الأزرق بن كُليب في إحدى نواحي الدَّسْمَة فرأينا عندها قوماً قد فارقتهم البَسْمَة ، ولبست وُجوههم أثواب الهَم واغرورقت أعينهم بماء الغم!

وليس الذي يجري من العَينِ ماؤها ** ولكنّها روحٌ تسيلُ فتقطرُ

كان هؤلاء المحزونون عدة آلافٍ بل يزيدون ، فقال لهم الأزرق : ما بالكم تبكون ؟ فَطَفِقَ القومُ يشكون ، فتحدث منهم ابن عُتبَة وكان أرفعهم رتبَة : إنما هذا البُكاء لما حَلَّ بنا من بلاء ، فنحن من نُدَرِّس الأجيال ونُعلِّم العِيال ، ونُحفِّظهم الكتاب ونَشرح لهم الحساب ، ونُفهمُهم عدة أشياء مثل الأحياء وعلم الكيمياء وكذلك الفيزياء ، نَبْدأُ صُبحنا بالطوابيرِ واقفين وبتحية العَلَم هاتفين ثم في الفصولِ مع التلاميذ عاكفين ولكل مَسألةٍ عارفين فنرجِعُ لأهلينا ظُهراً على الموتِ مُشارفين ! ثم لِساعةٍ نَقيل حيثُ أن الشياطينَ لا تقيل ، وبعدها نَبدأُ بالتحضير والإعداد ببالغِ همّةٍ واجتهاد فغداً يُقبِلُ يومٌ جديد من أيام العام المديد ، وهكذا تَمضي الأَيام والليال بهذه الطريقَة والمنوال ! فقال شيخنا الأَزرَق بن كُليب : وهل تُعطَوْنَ بِقدرِ ما تَعطون ؟ ويُحْسَن إليكم كما تُحسنون ؟ فصاح ابن عتبة : يعطون قومي بالمئات وهي في بلد الثروات مُجرّد فتات ، فوالينا يشتري الحلوى بالألوف ليلتهمها مع الحاشية والضيوف ، فهي تأتيه من بلاد جُنيف التي بنى بها قصره المُنيف على تلال الريف !

فتقدّمَت عجوزٌ من مَيْمَنة الحشد وقالت : أترغب بالمزيد ؟ قلت : وهل من جديد ؟ قالت : في جعبتي العديد ! قلت : بكل سُرور ، قالت : بالملايينِ يَشْتَرونَ البَخور كَيْ يَطردوا بِهِ الشُرور فَتَنْصَلِح الأُمور ويَتَيَسَّر لِلوالي العُبور في امتحانِ الإِسْتِجْواب الذي قَدَّمَه كَوْكَبةٌ من النواب إيماناً منهم بمبدأ الثواب والعقاب ! فقُلت للعجوز : والله إني لأُوَقّرُ مقامَك وأُقدّر كلامك فهل نساؤكن كلهن كذلك ؟ قالت : يا بُنَي لولا أربع لأفْلَحنا ! فَحَسِبْتُ العجوز ستنشد :

إني ابتليتُ بأربعٍ ما سُلِّطوا ** إلا لشدة شقوتي وعنائي

إبليس والدُنيا ونَفسي والهَوى ** كيفَ الخلاص وكلّهم أعدائي ؟

لكنها قالت : ما مَنَعَ الخَيرَ عَنّا وسَلَبَ الرِزْقَ مِنّا إلا أَربع نسْوَة اتّصَفْنَ بالقَسْوَة ، فما رَأَفَت ثلاث منهن بأهل التدْريس ونَكَّسْنَ رؤوسَهُن شَر تَنْكيس ، أما رابعتهن فكانت لمكافأة الطلاب قامعة ولمطالبهم غير سامعة فأكدت أن جماعتها للوالي خانعة ولصفقاته خاضعة ! ما بالُهُنَّ كَأَنَّهُنَّ لم يَكُنّ مُعَلِّمات فيما مَضى وأن ما فاتَ قد انقَضى ! فاليوم أصْبَحْن نائبات (على) الأمة ولَسْنَ عنها ، فأولاهُن زَعمت أنها في قرارها (مُصيبَة) لكننا نرى مواقفها غَريبة ومآربها مُريبة فكانت أم (المصائب) ، أما الثانية فنَصبَت نفسها (قاضِيَة) وهي عن القِسط ماضية وبالظلم راضية (فقَضَت) على آمالنا ، ثالثة الأثافي تدّعي أنها (هاوِيَة) تهوى الناس لكنها (هَوَت) بهم في الدرك الأسفل والموضع الأرذل ، أُخراهُن والله أعلم (حيَّة) سيئة النيَّة صدق فيها والأخريات قول خير البريَّة وسيد البشريَّة عليه أفضَل الصَلاة والسَلام والتَحِيَّة : {لَنْ يُفلحَ قَوْمٌ وَلّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَة } .

حينها التَفَتَ عَليَّ الشيخُ الأزرقُ بن كُلَيْبٍ وقال : هَلُمَّ بنا يا ابن أُثَيْلَة نَنطَلِق وقبل عَسْعَسَةِ اللَيلِ نَسْتَبِق فإن آذان جواسيس الوالي تَسْتَرِق وأظن خِيامَ هؤلاء القَوْمِ .. سَتَحْتَرِق !

عبدالله الأعمش