الأحد، 3 يوليو 2011

المَقامَةُ المَدْرَسِيَّة




للإستماع للمقال



http://www.2shared.com/audio/xwJuSiXk/__online.html




حَدّثَنا عَدنانُ بن أُثَيْلَة قال : كنت أتجول ذات يومٍ مع شيخنا الأزرق بن كُليب في إحدى نواحي الدَّسْمَة فرأينا عندها قوماً قد فارقتهم البَسْمَة ، ولبست وُجوههم أثواب الهَم واغرورقت أعينهم بماء الغم!

وليس الذي يجري من العَينِ ماؤها ** ولكنّها روحٌ تسيلُ فتقطرُ

كان هؤلاء المحزونون عدة آلافٍ بل يزيدون ، فقال لهم الأزرق : ما بالكم تبكون ؟ فَطَفِقَ القومُ يشكون ، فتحدث منهم ابن عُتبَة وكان أرفعهم رتبَة : إنما هذا البُكاء لما حَلَّ بنا من بلاء ، فنحن من نُدَرِّس الأجيال ونُعلِّم العِيال ، ونُحفِّظهم الكتاب ونَشرح لهم الحساب ، ونُفهمُهم عدة أشياء مثل الأحياء وعلم الكيمياء وكذلك الفيزياء ، نَبْدأُ صُبحنا بالطوابيرِ واقفين وبتحية العَلَم هاتفين ثم في الفصولِ مع التلاميذ عاكفين ولكل مَسألةٍ عارفين فنرجِعُ لأهلينا ظُهراً على الموتِ مُشارفين ! ثم لِساعةٍ نَقيل حيثُ أن الشياطينَ لا تقيل ، وبعدها نَبدأُ بالتحضير والإعداد ببالغِ همّةٍ واجتهاد فغداً يُقبِلُ يومٌ جديد من أيام العام المديد ، وهكذا تَمضي الأَيام والليال بهذه الطريقَة والمنوال ! فقال شيخنا الأَزرَق بن كُليب : وهل تُعطَوْنَ بِقدرِ ما تَعطون ؟ ويُحْسَن إليكم كما تُحسنون ؟ فصاح ابن عتبة : يعطون قومي بالمئات وهي في بلد الثروات مُجرّد فتات ، فوالينا يشتري الحلوى بالألوف ليلتهمها مع الحاشية والضيوف ، فهي تأتيه من بلاد جُنيف التي بنى بها قصره المُنيف على تلال الريف !

فتقدّمَت عجوزٌ من مَيْمَنة الحشد وقالت : أترغب بالمزيد ؟ قلت : وهل من جديد ؟ قالت : في جعبتي العديد ! قلت : بكل سُرور ، قالت : بالملايينِ يَشْتَرونَ البَخور كَيْ يَطردوا بِهِ الشُرور فَتَنْصَلِح الأُمور ويَتَيَسَّر لِلوالي العُبور في امتحانِ الإِسْتِجْواب الذي قَدَّمَه كَوْكَبةٌ من النواب إيماناً منهم بمبدأ الثواب والعقاب ! فقُلت للعجوز : والله إني لأُوَقّرُ مقامَك وأُقدّر كلامك فهل نساؤكن كلهن كذلك ؟ قالت : يا بُنَي لولا أربع لأفْلَحنا ! فَحَسِبْتُ العجوز ستنشد :

إني ابتليتُ بأربعٍ ما سُلِّطوا ** إلا لشدة شقوتي وعنائي

إبليس والدُنيا ونَفسي والهَوى ** كيفَ الخلاص وكلّهم أعدائي ؟

لكنها قالت : ما مَنَعَ الخَيرَ عَنّا وسَلَبَ الرِزْقَ مِنّا إلا أَربع نسْوَة اتّصَفْنَ بالقَسْوَة ، فما رَأَفَت ثلاث منهن بأهل التدْريس ونَكَّسْنَ رؤوسَهُن شَر تَنْكيس ، أما رابعتهن فكانت لمكافأة الطلاب قامعة ولمطالبهم غير سامعة فأكدت أن جماعتها للوالي خانعة ولصفقاته خاضعة ! ما بالُهُنَّ كَأَنَّهُنَّ لم يَكُنّ مُعَلِّمات فيما مَضى وأن ما فاتَ قد انقَضى ! فاليوم أصْبَحْن نائبات (على) الأمة ولَسْنَ عنها ، فأولاهُن زَعمت أنها في قرارها (مُصيبَة) لكننا نرى مواقفها غَريبة ومآربها مُريبة فكانت أم (المصائب) ، أما الثانية فنَصبَت نفسها (قاضِيَة) وهي عن القِسط ماضية وبالظلم راضية (فقَضَت) على آمالنا ، ثالثة الأثافي تدّعي أنها (هاوِيَة) تهوى الناس لكنها (هَوَت) بهم في الدرك الأسفل والموضع الأرذل ، أُخراهُن والله أعلم (حيَّة) سيئة النيَّة صدق فيها والأخريات قول خير البريَّة وسيد البشريَّة عليه أفضَل الصَلاة والسَلام والتَحِيَّة : {لَنْ يُفلحَ قَوْمٌ وَلّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَة } .

حينها التَفَتَ عَليَّ الشيخُ الأزرقُ بن كُلَيْبٍ وقال : هَلُمَّ بنا يا ابن أُثَيْلَة نَنطَلِق وقبل عَسْعَسَةِ اللَيلِ نَسْتَبِق فإن آذان جواسيس الوالي تَسْتَرِق وأظن خِيامَ هؤلاء القَوْمِ .. سَتَحْتَرِق !

عبدالله الأعمش

هناك تعليق واحد:

  1. أسلوب المقامات رائع جداً
    أحسنت الإختيار يا أخ عبدالله

    والله يصلح الحال عندنا

    أخوك فهد المطيري

    ردحذف