الخميس، 6 يناير 2011

سوق النخاسة السياسية

لقد عرف التاريخ منذ قرون خَلَت استعباد الأفارقة على يد شعوبٍ شرقية و غربية ثم ظهر ما يسمى بالرقيق الأبيض و بعدها وُصف الرياضيون بتلك النعوت حين صاروا يباعون و يُشترون بأمر ملاّك نواديهم ، أما أحدث صور العبودية التي نعاصرها فهي أن يبيع الحر نفسه بمحض إرادته لسيد من سادات سوق النخاسة السياسية ! و في هذا السوق لا يُقيد العبيد بالسلاسل ولا يُحبس الرقيق في الأقفاص بل يدخلونها برغبتهم و يضعون الأغلال في أعناقهم .. بأيديهم !
في شمال السوق تُباع النساء و تُشترى ، فتلك أَمَةُ تبيع أفكارها و معتقداتها من أجل سيدٍ يمنحها .. (الفحم) ، أما الأخرى فتسخّر لسانها و حنجرتها مقابل منصب يهبه مالكها لبعلها ، و ثمن ثالثة الإماء هو (روضة) من رياض .. الدنيا !
في جنوب السوق يقف الرجال .. و أشباههم ، كلٌ يستعرض مهاراته ليحظى برضا وزيرٍ له سطوة أو شيخٍ من الصفوة أو تاجرٍ .. فارسي ذي ثروة ، فتجد أحدهم يهِب كرامته باستجداء و الثاني يتبرأ من قبيلته باستعلاء و الثالث يقذف عمامته .. دون استحياء !
حتى الكلاب إذا رأت ذا ثروةٍ ** خضعت لديه و حرّكت أذنابها
و إذا رأت يوماً فقيراً عابراً ** نبحت عليه و كشّرت أنيابها
لا تجد في السوق أَسْوَداً بلون المسك فأشباه عنترة العبسي يترفّعون عن الذلّة ، لكن سواد قلوب مرتادي سوق النخاسة تكشفه أفعالهم المشينة كالرشوة و شهادة الزور و بيع الذمة و أكل المال الحرام و غيرها من أصناف الفساد ، يَلِجون السوق أحراراً فقراء و يتركونه عبيداً أغنياء كما يدخله آخرون و وجوههم مسفرة ثم يخرجون منه و على وجوههم غَبَرَة .
عند بوابة السوق تجد إثنى و عشرون حراً أبوا الخنوع و رفضوا الرِّق و أوفوا بالعهد و ما خانوا الأمانة فأصابتهم بذاءة الفاجرة سجاح و أكاذيب مسيلمة الذي سَطَّرتُ فيه قصيدة مطلعها :
لا (النُبل) فيك ولا (الفضيلة) مبدؤك ** أنت الكذوب و شتم خصمك ملجؤك
فما وهنوا أمام ضربات النخاسين و ما سقطوا في حبائل إغراءاتهم كغيرهم من .. الساقطين ، فالتفّت حولهم جموع الأحرار و ساندتهم جماهير الأبرار فقصدهم آلاف الزوّار في ساحةٍ تدعى .. الصفاة ، و في ذلك اليوم حوصر سوق النخاسة بمن فيه من سادة طواغيت و أزلام مناكير و طوّقته القلوب المشرئبة لعبق الحرية و المتلهفة لنسيم الكرامة و الطامحة لرياح .. التغيير .
و صدق من أنشد : لو دامت لغيرك ** ما اتصلت إليك

للتاريخ : حين أدلج القوم لديارهم من (موقعة سوق النخاسة) رأوا على قارعة الطريق بعض إخوانهم المتخلفين عن الركب ، و قد كان منهم حبشي و فارسي .. و (رومي) !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق