الاثنين، 19 مارس 2012

إفلاس خصوم الإخوان .. (بينة) نموذجاً

كتبت الباحثة في الأمن الفكري (بينة الملحم) مقالاً بصحيفة الرياض عنوانه (إفلاس الإخوان ... لماذا يتحدثون عن الخليج ؟!) تناولت فيه معاناة الإخوان المسلمين من إفلاسٍ لم تبين ماهيته وتطرقت فيه لما اعتبرته تدخلاً منهم في شؤون دول الخليج العربي ، وقد احتوى المقال على كُرهٍ بالغ تجاه الجماعة ومغالطات كثيرة سأعقب على بعض منها :

1- ترى الكاتبة أن الربيع العربي تحول من حلم وردي إلى دماء وأشلاء .
وكأن الشعوب كانت تعيش في المدينة الفاضلة ! بل وكأن سقوط الأنظمة التي لم تصفها الكاتبة بطاغوتية أو دكتاتورية لا يتطلب سلالم من الجماجم ؟
إن من السذاجة توقع استقرار الأمور في ليلة وضحاها بعد سقوط حكم الحديد والنار ، فهل نسيَت الكاتبة أن أولئك الحكام كانوا يحيطون أنفسهم بعصابات تُطلق على نفسها مسميات رسمية كالمخابرات والمباحث ؟! وهل نسيَت أنهم أبقوا مافيا إعلامية وإقتصادية جعلت لسنوات طويلة صوت الأقلية المتشبثة بمقاليد الحكم أعلى من صوت الأغلبية الصامتة ؟! وكل أولئك الأيتام المجرمون بدون شك لن يتركوا الأمور تستقر بيد الشعب المنتفض على حاكمه الظالم .

2- دلَّسَت الكاتبة حكاية التصريحات المتبادلة بين مسؤولين خليجيين والإخوان .
وهنا أهانت الكاتبة بشكل غير مباشر قراءها حين تحدثت مباشرة عن تصريح مسؤول بالإخوان المسلمين دون أن تتطرق لبداية القصة وداعي هذا التصريح وسبب العتب الذي عبر عنه المصرح ! وهذه سقطة تُحسب على الكاتبة التي بدون شك كانت تعرف التفاصيل لكنها أغفلتها ثم استغفلت القراء !
ولإنعاش ذاكرة البعض أود التذكير بأن الشيخ القرضاوي حامل جائزة الملك فيصل العالمية طلب من الإماراتيين الرأفة ببعض السوريين المُراد إبعادهم على خلفية تعبيرهم العفوي تجاه المجازر التي ارتكبتها حكومتهم بحق أهلهم ، فرد عليه عسكري إماراتي غير مؤدب مهدداً إياه بالإعتقال رغم سن ووزن الشيخ في العالم الإسلامي!؟

3- نفت الكاتبة تعرض منطقة الخليج لما أسمته بالقلق الأيدلوجي .
فيما تُعتبر منطقة الخليج من أكثر المناطق تأثراً بالأيدلوجيات المحيطة شرقاً حيث الثورة الشيعية وغرباً حيث الجماعات الإسلامية بشقيها المعتدل والمتطرف ، وما الحركة الوهابية وظفّار وجهيمان والحرب العراقية الإيرانية واحتلال الكويت والمجاهدين العرب في أفغانستان ومظاهرات الشيعة بالبحرين وأحداث اليمن ببعيدة عنا .

4- تطرقت الكاتبة لتأثير النفط الخليجي على العرب والخليجيين أنفسهم .
وهنا نؤكد أولاً أن عادات العرب تستنكر المنَّ بالعطية ، وثانياً لابد من تذكر أن المستفيد الأول من تلك الخيرات الخليجية كان الرئيس الدكتاتور ونظامه الساقط حيث تضخمت حسابات أنظمتهم البوليسية فيما لم تحصل الشعوب الفقيرة إلا على الفتات !
أما عدالة توزيع الثروة على شعوب الخليج فهي رغم العيش الكريم حلم لم يتحقق في (أغلب) دول مجلس التعاون ، حيث مازالت طبقة من طبقات الناس تستحوذ على ثروات الوطن في حين تشقى الغالبية للحصول على حقها الأساسي في الراتب والعلاج والدراسة والتي في وجهة نظري تُعتبر أقل أهمية من الحق السياسي الذي لا يُعترف به سوى بالكويت والبحرين .

5- اتهمت الكاتبة رموزاً حركية بسعيها لإيصال الخليج إلي ما وصلت إليه ليبيا وأفغانستان والصومال .
وأود تذكيرها بأنه لا دخل للإخوان المسلمين في الأوضاع السيئة بأفغانستان والصومال حيث الصراع بين الولايات المتحدة وقوى دينية مسلحة قريبة من تيارات تُكفر جماعة الإخوان بحجة قبولها بالديمقراطية !
أما الوضع في ليبيا فمن المبالغة تشبيهه بالوضعين السابقين حيث أن الحرب الأهلية التي كان يحذر منها القذافي في حال سقوطه لم تقع بل إن الأمور تتجه للإستقرار ولو بشكل بطيء .

6- تتهم الكاتبة (جماعات الإسلام السياسي) بتضخيم الأخطاء الصغيرة والتحريض على الإحتجاج عليها بوسائل التواصل الإجتماعي .
وهنا أثنت الكاتبة من حيث لا تدري على الإسلاميين حين أقرت باحتجاجهم بطريقة حضارية إلكترونية لا عنف فيها أو سلاح وهو الأمر الذي كان يجدر بها أن تشجعه وتدعو الآخرين للإقتداء به كوسيلة راقية للتعبير عن الرأي السياسي .
أما (تضخيم الصغائر) فالكاتبة تعلم أنها حرفة أجهزة الأمن التي اعتبرت (كلمة) الشيخ القرضاوي (حرباً) على الخليج كما اعتقلت وألغت جنسيات عدد من المعارضين بسبب أمور بسيطة سيتضرر من تضخيمها الحكام الذين يتحملون تبعات حاشية متهورة تحيط بهم .

7- كررَت الكاتبة ألفاظاً توحي بأن الخليج مرتع للآخرين .
وأظن الآخرين سيستذكرون قول (رمتني بدائها وانسلت) ! حيث أن لنا كخليجيين أذرعاً متغلغلة في لبنان ومصر ودعماً كبيراً لأطراف محددة في سوريا في مواجهة دور إيراني مشابه في البحرين واليمن على سبيل المثال ، ولا أقول إن دورنا هذا سلبي بل أنا من أقوى المؤيدين للتحرك الدبلوماسي الخليجي على غرار الدور الشعبي الذي يجب على السياسيين التأسي به .

8- لمّحت الكاتبة إلى أن التيار الإصلاحي بالخليج إمعة وتابعٌ لغيره .
وأُذكِّرها بأن أبرز قيادات الإسلاميين في الخليج هم من قبائل عريقة وأسر مشهورة ترتبط مع الحكام بنسبٍ تارةً وبصداقةٍ تارةً أخرى ، ولنا في بعض المستشارين والوزراء الإسلاميين مثلٌ واضح ، وأما تبني فكر سياسي نشأ خارج الخليج فهو وليد قناعة ليس من حق أحد تجريمها ، فكم من أمير ماسوني وشيخٍ شيوعي وغيرهما يدعم القاعدة ورابعهم سلفي ابنه من الإخوان !

9- ذكرت الكاتبة أن الخطاب الخليجي محلي فيما خطاب الإخوان أممي .
و أرى أن الأقرب للإسلام هو الخطاب الأممي المنطلق من قوله تعالى (إن هذه أمتكم أمة واحدة) ولا يتعارض هذا الطموح الأممي مع الإصلاح المحلي الذي هو خطوة أولى لوحدة الأمة الإسلامية ، مع تذكيري لها بأن المملكة العربية السعودية من أقوى الداعمين لهذه الغاية السامية التي يُفترض أن تسعى لها منظمة التعاون الإسلامي .

10- تحدثت الكاتبة عن تاريخ العلاقة بين الملوك والقبائل وكيف كان الأجداد جنوداً تحت إمرة الأمراء .
ومن الغريب الإصرار على هذا التاريخ الذي طوته عقود عديدة وعدم تطويره بالشكل الذي حدث مع أنظمة ملكية في بريطانيا وإمبراطورية في اليابان على سبيل المثال .
ثم لابد من تذكر أن بعض دول الخليج تعتمد علاقة حكامها بالشعب على عقد واتفاق ودستور نتيجته (حكمٌ مشروط) وأساسه عدلٌ ، وجناحاه حقوقٌ وواجبات يتحملها الطرفان .

11- تشير الكاتبة لتدين المجتمعات الخليجية قبل نشوء الحركات الإسلامية .
وهو الأمر الذي تطرحه كثيراً الحركات الليبرالية الرافضة للمناهج الدعوية بحجة أن المجتمع لا يحتاج لحركات إصلاحية فهو أصلاً محافظ ملتزم بتعاليم دينه !
وأشير هنا إلى أن مرور شبه الجزيرة العربية بفترات مد وجزر ديني قد تأثر بحركات إصلاحية كحركة الإمام محمد بن عبدالوهاب ثم دعوة الإمام حسن البنا رحمهما الله وبعدهما الصحوة الإسلامية خلال السبعينيات ، فغياب التيار الإسلامي المنظم يتيح لغير الإسلاميين نشر القومية واليسارية والإشتراكية وغيرها من الأفكار المخالفة للشرع الحنيف .

12- تزعم الكاتبة أن الإخوان المسلمين يهددون الخليج ووحدة شعوبه .
وتناست هداها الله أن الإخوان جزء لا يتجزأ من الشعب الخليجي حيث أثبتت الإنتخابات الحرة النزيهة إقبال الخليجيين على هذا التيار الإسلامي المعتدل في مواجهة المتطرفين من التيارين العلماني والديني .
كما أنني أود تذكيرها بعدة مواقف تاريخية للإخوان المسلمين في الخليج :
أ) تبني الإخوان المسلمين لمشاريع حماية الأخلاق والعادات الأصيلة في مواجهة التغريب الذي تقوده جهات إعلامية وأمنية قريبة من الحكومات.
ب) دعم الإخوان المسلمين في البحرين لعروبة بلادهم في مواجهة المخطط الإيراني هناك عن طريق تجديد مبايعة آل خليفة حكام البحرين.
ج) دفاع الإخوان المسلمين في الكويت عن السعودية ومليكها في مواجهة النواب الشيعة وإعلامهم الحاقد على بلاد الحرمين.
د) مساندة الإخوان المسلمين في الخليج للثورة السورية ومحاربتهم نظام الحكم البعثي هناك ، وهو ما يتطابق مع الموقف الرسمي لمجلس التعاون الخليجي.
ه) وقوف الإخوان المسلمين في الخليج ضد إيران في احتلالها للجزر الإماراتية وتدخلها في الشأن العراقي.

ختمت الكاتبة مقالها بوصف الإخوان بالمفلسين والخائبين ، ولا أرى مدعاة لحقدها هذا الذي جعلها تصفهم بما لا ينطبق على حركة شعبية يتسع انتشارها وتتوالى إنتصاراتها وتلقى قبولاً متزايداً لدى المسلمين على عكس ما يحدث للعلمانيين والمؤسسات الأمنية والحكومات الفاسدة .. ومن داهنهم.


عبدالله الأعمش

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق