الجمعة، 23 مارس 2012

حكم الصباح .. في مأمن

في تاريخ البشرية قديماً وحديثاً شواهد عديدة على أن أكثر الحكومات استقراراً هي أعدلها ، وأن الأسر الحاكمة الأقرب لشعوبها هي الخالدة ، وأن أطول الأنظمة عمراً هي التي تقلل الفجوة بين الحاكم والمحكوم ، ولكل قاعدة استثناء. وهاهي أوروبا تشهد على بقاء الأسرة الملكية الإنجليزية العادلة في مقابل إنقراض الملكية الفرنسية الظالمة على يد الشعب الثائر ، أما آسيا ففيها آثار الأسرة البهلوية الفارسية الزائلة فيما أجيال الأباطرة اليابانيين مازالوا يتربعون على العرش في أقصى الشرق.

عند التمعن بتلك الأمثلة التاريخية نكتشف أن جميع تلك الأسرة الحاكمة تعرضت لثورات وحروب لكن النتائج لم تكن متشابهة بحيث أصاب أسراً سقوطٌ شنيع على يد شعوبها فيما ترسخت أخرى في قلوب الأمم التي تحكمها ، أي أن في الحالتين هناك شعب يقرر مصير هذه الأسرة الحاكمة التي إن شاركت في الثورة وكتابة الدستور فستجني ثمار ذلك أما إن حاولت قمع الإصلاح وطمس مشروع الدستور فستتجرع طعم الفناء ، وخلاصة ما سبق أن (من يساهم ببناء الديمقراطية سيحظى بحمايتها) وهو ما حصل في دستور السلام الياباني ونظيريه البريطاني والكويتي ، والأخير هو ذلك العقد الذي اتفق عليه الكويتيون فكان بقاء أسرة الصباح الحاكمة مقروناً بضمان حقوق المواطنين وهو ما حقق حلم المساواة في جميع مناحي الحياة .. حتى في السجن ، وهو مالا يُرى في دول أخرى.

وقد يتساءل البعض عن (كيفية قياس الإستقرار) ، والجواب هو أن (إستقرار الحاكم لا يُقاس إلا بأوقات فُقدان الإستقرار) وقد مرت دولة الكويت بعدة ظروف مضطربة أكد فيها الشعب تمسكه بالأسرة في حال تمسكها بالدستور المنظِم للعلاقة بين الحاكم والمحكوم ، فحين غزا الطاغية صدام أرض الكويت تمسك الكويتيون بمختلف تياراتهم بأرضهم ودستورهم وأميرهم رافضين أي بديل قدمه لهم المحتل البعثي ، وحين خرج الكويتيون للتظاهر بالشوارع ضد حكومة فاسدة احترم الحاكم رغبتهم وتسمك بالدستور فأسقط الحكومة واستبدل رئيسها الشيخ وأعطى الشعب حقه الديمقراطي في انتخاب برلمانٍ جديدٍ يمثل كافة أطياف المجتمع .

مشكلة بعض أبناء الطبقة الحاكمة في الخليج أنهم لم يفهموا حتى الآن أن العدالة أولاً ليست خياراً بل هي فريضة ، ثم هي ليست طعاماً يلقي به الحاكم في معدة شعبه وليست راتباً باهظاً يصرفه على الناس من أجل أن يظلوا جيشاً مسخراً لحماية قصوره ، يجب أن يستوعب هؤلاء أن العدالة ليست في سد الحاجات البدائية للشعوب يوم كان الأمن مفقوداً والمجاعة متفشية بل هي توفير للحاجات العصرية والحقوق الأساسية كالديمقراطية والمشاركة السياسية ومحاسبة الشعب لمن يحكمه ، إن العدالة التي ينشدها الشعب ليست مادةً تُلمس باليد بل هي إحساسٌ يداعب شغاف القلب بالصورة التي أتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فصار في ظلها السيد كالعبد والجارية كالأميرة والأعراب كالأعاجم لا فرق بينهم إلا بالتقوى ، فالمساواة ومعاملة الناس كأسنان المشط هي من صُلب الإسلام وأولوياته التي لابد أن يستحضرها السلطان وحاشيته قبل تسربلهم بمفاهيم (طاعة ولي الأمر) و (الصبر على ظلم الحاكم) وغيرها من أسوار تبنيها بعض الحكومات حولها متناسية بوابات تلك الأسوار التي من أوسعها بوابة العدل المستظلة بقوله تبارك وتعالى ( وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ).

عبدالله الأعمش

هناك تعليق واحد: