الجمعة، 18 فبراير 2011

خطبة على أطلال الطاغية

دخل فضيلة الشيخ العلامة يوسف القرضاوي مصر بعد أعوام من حرب شنّها عليه نظام الدكتاتور الطاغية المخلوع حسني مبارك ، فأصبح هذا الدخول تاريخياً لن ينساه المصريون كافة بل ستظل البشرية تتذكر مشهده طويلا ، فالعلامة القرضاوي وقف شامخاً على منبر الثورة يخطب في حشود أهل الكنانة فيما يحزم الرئيس الذي نبذه شعبه و جيشه حقائبه باحثاً عن مأوى له و للمليارات المنهوبة من أرض مصر .
سبحان الذي يمهل ولا يهمل ، فقد أعطى الله عز و جل لحسني مهلة ثلاثين عاماً كي يتعظ لكنه طغى و استكبر ، و سبحان الذي إذا أراد أمراً قال له كن فيكون ، فكان أمره أن يدخل البلاد معززاً مكرماً منتصراً من غادرها فاراً بدينه فيما يهرب منها ذليلاً مبغوضاً مهزوماً من تربع على عرشها لعقود طويلة !
خطب الشيخ القرضاوي في تلك الملايين فأثنى على تلاحم المسلمين و أهل الكتاب ، و شكر الجيش الذي لم ينصر الفرعون الأخير ، و أمَّ الجموع المهيبة في مشهد لا يراه الناس إلا بالحج فرفعوا أيديهم بالدعاء و أدوا فرضهم ثم صلوا صلاة الغائب على شهداء الثورة و من سبقهم من الشهداء الذي ذُبحوا في سجون النظام البائد خلال الثلاثين عاماً المنصرمة و هؤلاء نحسبهم مع حمزة رضي الله عنه و رجل قام إلى إمام جائرٍ فأمره و نهاه فقتله .
لقد فسّر الإمام الجصّاص قوله تبارك و تعالى في سورة البقرة {لا ينال عهدي الظالمين} قائلاً : (ثبت بدلالة هذه الآية بطلان إمامة الفاسق و أنه لا يكون خليفة و أن من نصب نفسه في هذا المنصب و هو فاسق لم يلزم الناس اتباعه و طاعته) فكان رحمه الله و من تبعه من علماء الأمة كالشيخ يوسف القرضاوي يقودون المسلمين للإسلام الحقيقي الكاسر لقيد العبودية و الهادم لقصور الطواغيت و الداعي لترسيخ العدالة و تثبيت المساواة بين الناس و هذا هدي خير الخلق عليه الصلاة و السلام الذي حرفه و للأسف بعض علماء السلاطين و قلة من المبجلين لولاة الأمر فصاروا أبعد عن لُب الإسلام و أقرب لقساوسة القرون المظلمة الذين ساندوا طواغيت أوروبا ضد شعوبهم المقهورة فكره الناس دينهم حين لم تتفق تعاليمه مع الفطرة الإنسانية الطامحة لحياة يملؤها العدل و الحرية و يكون الناس فيها كأسنان المشط ، قال عبدالله بن المبارك رحمه الله : (و هل أفسد الدين إلا الملوك و أحبار سوء و رهبانها) !
إن ما قام به العلامة القرضاوي لابد أن يحتذي به كل شيوخ الدين و يتحتم أن يقتدي به العلماء و أهل الشريعة ، فمكان ورثة الأنبياء بين أبناء الأمة لا على موائد الملوك ، و إن من أهم واجباتهم رفع الظلم عن العباد و ليس التبرير لحكام البلاد و التغاضي عما اقترفوه من فساد .
قيل للأعمش : يا أبا محمد قد أحييت العلم بكثرة من يأخذه عنك ، فقال : لا تعجبوا فإن ثلثاً منهم يموتون قبل أن يدركوا ، و ثلثاً يلزمون السلطان فهم شر من الموتى ، و من الثلث الثالث قليل من يفلح .

عبدالله الأعمش

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق