الثلاثاء، 8 يونيو 2010

الدائرة الأولى .. أزمة الإزدواجية و الولاء


إن التعسف في تطبيق القانون في ظل سلم أولويات مقلوب أخطر من عدم تطبيق القانون بتاتاً ، كلاهما غير مقبول في دولة يحكمها دستور ، لكن خطأ عدم محاسبة متجاوزي قانون الجنسية أقل شناعةً من ملاحقتهم في بلد يرتع فيه سراق المليارات دون محاسبة و يظهر في شاشاته ممزقو الوحدة الوطنية دون رادع ، فمِن الأجدر الإلتزام بقاعدة الأهم ثم المهم و حل أزمات البلاد و مشاكل العباد قبل إثارة الشارع و تهييج الناس بسبب قضية إزدواج الجنسية !
لم يعجبني مقال الشيخ علي الجابر حول الدائرة الرابعة ، كحال آلاف الكويتيين المحتجّين عليه -على الأقل أبناء الدائرة- فلم يتحدث الشيخ -كما يزعم مناصروه- عن مسألة إزدواج الجنسية بشكل عام بل تحدث عن الولاء و الإنتماء في الدائرة الرابعة بشكل خاص ! و هنا وقع المواطن علي الجابر في خطأين فادحين يظهران بالشكل العام للمقال و بالجملة التالية خصوصاً و التي وجهها الشيخ للمحامي نواف ساري المطيري المرشح السابق في الدائرة الرابعة(.. من كان مرشحا للإنتخابات سابقاً في مناطق تنتشر بها ظاهرة الجمع والإزدواج في الجنسية والولاء والانتماء ..):
الخطأ الأول : (إدعاء أن من عنده جنسيتين ولاؤه مشكوك به و إنتماؤه ليس خالصاً للوطن) ! و هذه مسألة مازال الشارع مختلفاً حولها و لم يُجمع الناس على صحتها ، فمن الكويتييين المولودين في الغرب الأمريكي و الأوروبي من ينتقد تحيزهم للصهاينة و يتبرأ من تفسخهم الأخلاقي ، و بعض الكويتيين مِن مواليد دول مجلس التعاون مَن ينتقد أنظمتها الغير ديموقراطية و يذم تقييد حرية الرأي بها ، مما يعني أن ولاء هؤلاء الكويتيين ليس لمسقط الرأس بل هو لأرض الوالدين و ربما مَن قَبلهما .كما أن هذا الزعم الخاطيء لم يثبت كقاعدة ، فمن الذي قال أن مرتكبي الأعمال الإرهابية في الثمانينات هم ممن يحملون جنسية سعودية إضافة لجنسيتهم الكويتية ؟! و أيضاً ليس غريباً أن نجد بين الشهداء من يحمل أكثر من جنسية .
الخطأ الثاني : (الزعم بأن الدائرة الرابعة مشكوك في ولائها و إنتمائها) ! و هو تخصيص خاطيء و حصر غير مدروس ، فلا أعلم كيف حدد الشيخ علي هذا المكان كي يكون المثال المُنتقَد الذي يضربه عند إبداء رأيه في موضوع الإزدواجية ؟!
فالجدير بالذكر أن كلاً مِن المتخصصين بشؤون القبائل و العاملين في الإدارة العامة للجنسية بوزارة الداخلية يعلمون أن أكثر القبائل التي تحمل جنسيتين هي قبائل الجنوب –إن صح التعبير- و ليست قبائل الوسط أو الشمالية منها ، إذاً لماذا تعمد المواطن علي الجابر إستفزاز أبناء الدائرة التي لا تعتبر الأولى في عدد المزدوجين حيث أن الدائرة الخامسة هي مركز تلك القبائل الجنوبية ، أضف إلى ذلك أن الدائرة الرابعة هي مركز رئيسي لقبيلة الرشايدة أقل القبائل إزدواجاً ! و بعد هذا يستغرب الشيخ علي و مؤيدوه من إحتجاج أبناء الرابعة و تأييدنا لهم ؟!
الشيخ علي حاول بمقالته التحرش –إن صح التعبير- بقبيلة مطير رغم أنهم خواله و أصهاره و هنا يستغرب الكثير من الناس و لست منهم ، فأول أسباب ما قاله محافظ العاصمة هو أنه كان ينتقد و يرد -بشكل غير مدروس- على مقال كتبه أحد أبناء تلك القبيلة و هو المحامي نواف ساري فكان توجيه الإتهام للدائرة الرابعة يُقصد به ضرب المحامي ساري .السبب الآخر الذي لا يمكننا إغفاله –و معنا الشيخ علي- هو دور هذه القبيلة تاريخياً و حتى يومنا هذا في (المعارضة) فهي من آخر القبائل إنضماماً لحكم آل سعود كما دخلوا في معارك مع الإنجليز و الكويت قديماً و إنتهى بهم الأمر -كغيرهم من البشر- إلى الممارسة السلمية للمعارضة حيث يبرز منهم اليوم محاربو الفساد و منتقدو الحكومة كالبراك و محمد هايف و الوعلان و بورمية و غيرهم .
هنا لابد من طرح عدة تساؤلات قد تؤدي لإجابات بالغة الأهمية :
السؤال الأول : أين الخطورة في الإزدواج ؟ في وجهة نظري النابعة من بحث إعتمد على الندوات و المقالات و الآراء المطروحة في الصحافة حول إزدواجية الجنسية ، وجدت أن أبرز سلبيات الإزدواجية هي :
1-(الإستفادة المادية) حيث -ربما- يحصل المزدوج على مكسبين ماديين من كل دولة يحمل جنسيتها عن طريق الوظيفتين أو المسكنين و غيرهما ، و الحل هنا و بكل بساطة يكمن في مراقبة حضور الموظفين لمقار عملهم منعاً لإزدواج الوظيفة ، مع عدم قناعتي بخطورة حصول الشخص على بيت أو راتب في أكثر من دولة بما أنه يعيش و يعمل في الكويت فهي ليست مشكلتنا بل مشكلة تؤثر في تلك الدولة التي يتقاضى منها المزدوج راتباً دون أن يعمل بها !
2-(إزدواج الولاء) و هي أقل التهم (واقعية) و في نفس الوقت أخطرها إن صحّت ، أما (الخطورة) فتفسيرها غير مختلَف عليه ، لكن (الواقعية) هي ما لا أرى تحققها كون الغزو العراقي الغاشم هو الدليل على ولاء أبناء هذا الوطن له حين قُتل في سبيله البدو و الحضر سنةً و شيعة فدفن تحت ثراها الشهيد فهد الشاهين و الشهيد باقر الموسوي و الشهيد قشيعان المطيري و الشهيدة ليلى بهبهاني ، مما يعني أن أي حديث عن الولاء لابد أن يكون بصيغة الإستثناء و دون مبالغة .
السؤال الثاني : من المستفيد من إثارة مسألة المزدوجين بأسلوب هجومي غير عقلاني ؟ و للتوصل للإجابة الدقيقة قمت بحصر أصحاب التصريحات و المقالات التي تنتهج ذلك الأسلوب فوجدتهم متركزين في طائفتين هما :
-أ- (نواب و أقلام و صحف من الطائفة الشيعية) و -ب- ( فضائيات التجار و الليبراليين و بعض الشيوخ) ، مثل الراشد و الجويهل و القلاف و معصومة و البغلي و القبس و الدار و وزير الداخلية و محافظ العاصمة و سكوب و العدالة ... الخ .
أما الطرف الغير مستفيد و الذي يتعامل مع القضية بشكل أكثر هدوءاً و يدعوا لعدم التعسف في تطبيق القانون فهو المتمثل في (الإسلاميين) و (التكتل الشعبي) و كل من آزرهما في حملات المعارضة لسياسات الحكومة و محاربة الفساد و الإستجوابات الأخيرة لوزيري الداخلية و الإعلام .
السؤال الثالث : أين هي إستفادة مُنَظِّمي الحملة ضد الإزدواج ؟ (المستفيدون) من هذه الهجمة إستطاعوا -قبل شن الحملة- ضرب -و لو مؤقتاً- الجناح الأول للمعارضة و هم الإسلاميون ، و ذلك عن طريق شق صفوفهم من خلال كسب أو على الأقل تحييد (السلفيين) مما جعل المتبقي منهم في خانة المعارضة هم كتلة التنمية و الإصلاح –حدس و الإسلاميين المستقلين- إضافة للنائب محمد هايف .تبقى لفريق (المستفيدين) النِّد الآخر المُراد تفكيكه ، ألا و هو (التكتل الشعبي) و الذي ينتمي أغلب رموزه و قواعده للقبائل ، فوجدَت الحكومة و من حولها من ليبراليين و شيعة سلاح (إزدواجية الجنسية) لضرب التكتل و قواعده إما عن طريق تفكيكه بتأليب حضر التكتل على بدوهم أو عن طريق إشغال التكتل بالدفاع عن قواعده و بعض رموزه الذين يُقال أن بعض أقاربهم و ربما هم أنفسهم متهمين بالإزدواج .ضَرْب التكتل خصوصاً و القبائل بشكل عام سيكون من مصلحة (المستفيدين) بالشكل التالي :
1- الحكومة : إضعاف قوة أحد أقوى أجنحة المعارضة السياسية و أكثرها ممارسة لأداة الإستجواب .
2- الليبراليون : لدى التيار الليبرالي مشكلة في التغلغل بمناطق القبائل حيث أن مجتمع القبائل من أبرز المجتمعات المحافظة في الكويت ، كما أن التكتل الشعبي سحب البساط مؤخراً من الليبراليين الذين تفكك تحالفهم و إنضم عدد من رموزهم للتيار الحكومي فصار التكتل الشعبي و الإسلاميون –الإصلاح و التنمية- هم من يتبنى قضيتَيْ الفساد الحكومي و الحفاظ على المال العام .
3- الشيعة : يعانون من نفس الأزمتين اللتين يعاني منهما الليبراليون ، فالقبائل لديها تقبل أقل للمذهب الشيعي و هي الأكثر معارضة للمد الإيراني ، كما أن التكتل الشعبي يتهم النواب الشيعة بموالاة الحكومة و مساندتها في كثير من القضايا على عكس توجه التكتل و التنمية و الإصلاح .
الخلاصة
يتوجب على أولي الأمر و من تهمه مصلحة الكويت الإنتباه للتالي :
1- التهديدات الخارجية : التذكر بأن القبائل هي صمام الأمان تجاه أي خطر إيراني شرقي و أي تهديد شيعي شمالي ، فليست الدائرة الأولى و حشد التأبين هما من سيقفان ضد الجمهورية الإسلامية أو جماعة الصدر و المالكي .
2- الجبهة الداخلية : الحرص على التوازن في المجتمع لن يتحقق لو أُخرجت القبائل من اللعبة السياسية ، فهل نسبة و قوة و تعاضد الحضر السنة كما هي عند الطائفة الشيعة ؟
3- العلاقة مع المملكة العربية السعودية : سيؤثر التحرك التعسفي ضد المزدوجين للإضرار بالعلاقة مع المملكة العربية السعودية ، صحيح أنه ليس للملكة الحق –و ربما الرغبة- في التدخل بالشأن الداخلي الكويتي و لكن التطاول على القبائل بعذر تطبيق القانون و الحديث العلني عن إنتقام لدم الشيخ علي السالم رحمه الله –و هو المقتول تاريخياً من أشخاص قدموا من المملكة- و تقوية الشيعة على حساب البدو أمور لن يكون لها قبول لدى الشقيقة السعودية و يخطيء من يظن أنها ستمر عليهم مرور الكرام .
4- الدائرة الأولى : هي أكثر الدوائر دعماً للطائفة الشيعية ، فقد إختارت الغالبية هناك العدد الأكبر من نواب هذه الطائفة بالمجلس و فيهم المعمم و منهم الحزبي و كذلك المرتد عن مذهب السنة -إن صح التعبير- فهل هناك أزمة ولاء و إنتماء في هذه الدائرة عند إستذكار الماضي الأسود في الكويت خلال فترة الثمانينات حين تورطت عناصر من هذه الطائفة في عدة حوادث إرهابية في الكويت و المملكة العربية السعودية ، فأقيم على بعضهم حد قطع الرأس في السعودية و أُعفي عن آخرين في الكويت بعد التحرير .
5- البطانة : مستشارو علية القوم لابد أن يكونوا الأبعد عن التعصب الطائفي و النزعة العنصرية ، فحين يتحيز المستشار الشيعي –علي سبيل المثال- ضد السنة أو يتعصب الوزير الليبرالي ضد الإسلاميين تصدر حينها قرارات صاحب القرار بشكل خاطئ ضد الطائفة المضطهدة أو ربما لا تصدر لصالحها قرارات هامة كان لابد من صدورها (كمعاقبة مثيري الفتنة بالمجتمع بهجومهم على القبائل) .
6- تصحيح سياسة الحكومة تجاه التيارات : الحكومة تتصرف بشكل يدعو للغرابة مما يزيد الشك بأنها مُسَيرة ممن هم خارجها بل ربما خارج الكويت ، فهي اليوم تقف في جبهة واحدة مع من لهم تجارب دامية و جنوح للعنف كالشيعة (الثمانينات) و الليبراليين (الستينات) ! و تغذي العداء ضد المعارضة السلمية المتمثلة في القبائل و التكتل الشعبي و الإسلاميين رغم شجبهم الدائم لحركات العنف التكفيرية و اليسارية و الطائفية !
و قد صدق من سَطَّر هذه الكلمات : ((لا تيأسوا فليس اليأس من أخلاق المسلمين وحقائق اليوم أحلام الأمس وأحلام اليوم حقائق الغد ولازال في الوقت متسع ولازالت عناصر السلامة قوية عظيمة في نفوس شعوبكم المؤمنة رغم طغيان مظاهرالفساد ، والضعيف لا يظل ضعيفاً طول حياته والقوي لا تدوم قوته أبد الآبدين )) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق